حياة فريدة ...
كائن مشوه : خلقت فريدة بتشوه ظاهر في أصابع يدها اليمنى ، و بعرج قليل في رجلها اليمنى أيضا ...
وحيدة أسرة ميسور حالها ... أب تاجر ، و أم ربة بيت بامتياز ... غمراها حبا و عطفا و حنانا .
كانت الطفلة دائمة الإحساس بالغربة و الوحدة . اعتادت الانزواء و التوحد ... تخشى المسكينة أن تجلب عليها عاهتها ، استهزاء الآخر و تقززه أو عطفه حتى ...
و رغم الحسن الشديد و الملامح الجميلة جدا ، إلا أن التشوه زود داخلها إحساسا بالدونية و الاختلاف ، و ظل ينخر ، مع تقدمها في السن ، ثقتها بنفسها ... و مع نموها ، تنامى مركب النقص هذا داخلها ، لدرجة أفقدها كل رغبة في الحياة . و بدأت تستسلم لموت بطيء ، كاد يستل حياتها ورقة ورقة ...
عاشت صموتة ، و كتومة ، لا تبدي رأيا ، و لا تقدم اعتراضا . حتى و إن كان الأمر يخصها و يعنيها و يهم مستقبلها . قدمت استقالها ، و استسلمت للقدر ، يحيك تفاصيل حياتها ...
على أن الوالدين بذلا ما استطاعا إليه سبيلا ، من أجل إعادة رونق الحياة و بهائها ، لطفلة أرهقها التشوه و ندرت حياتها للوحدة . إلا أنهما وجدا نفسيهما مجرد شاهدين على زهرة آخذة في الذبول في عز الربيع ...
لا تدري الفتاة أي صفقة لعينة أو مكيدة خبيثة كانت ضحيتها : أنا مجرد كائن مشوه ، خلق ليعيش منبوذا بين كائنات تنفر التشوه و تعتبره خطيئة تستحق المقاطعة و التنذر ... كائنات لا تعرف الحلم و لا تحس عذابات الآخر . تقول بمرارة شديدة في لحظة شاذة و نادرة ، التي خرجت فيها عن صمتها و فكت عقدة لسانها .
ربع قرن من المعاناة : رغم مرور 25 سنة على زواجها ، مازالت لم تستسغ السبب الذي جعل والديها يقبلان الزج بها في جحيم زوج أذاقها من التجريح أصنافه ، و من التعنيف المادي صروفه و ألوانه ...
و مع ذلك ، فكل ما تعرف من قصتها المريرة ، هو ما عاشته في ظل رجل ، كان لا يمل من الترديد على مسامعها ، في غير ما مناسبة ، أن مال والدها هو السبب الوحيد و الأوحد الذي جعله يقبل على الارتباط بها ...
جملة كررها على مسامعها طيلة ربع قرن . بل كان يشدد على مخارج الحروف و هو ينطقها ، إمعانا في إذلالها و احتقارها . ما جعلها تكره المال و الثراء و الرجال أيضا ...
و في غمرة المأساة ، كانت تتسلل إليها بعض الأحلام . كانت تمني النفس ، بيوم يتغير فيه طبعه ، و يقلع عن عادته السادية هاته . تتحرك فيه شهامته ، و يحبها لذاتها و شخصها ، يوم لا يلقي فيه بالا لثرائها أو عطبها ... لكن ، و كما تسللت هذه الأحلام على حين غرة ، يأتي تعنيفه و صوته الجهوري ، ليعيدها إلى الواقع الذي فارقته للحظات ، و كأنما يستكثر عليها مجرد الحلم .
لا مبالاة مثالية : تزوجته و هي ابنة العشرين ، أو لنقل استسلمت للزواج به ، في صفقة تم تدبيرها بعيدا عنها ، فقط ، سألت عن الرجل ، فقيل لها أنه شريك أبوها في التجارة ...
لم يكن استفسارها نابعا عن فضول أو رغبة في الاطمئنان على حياتها ، فقد أبدت حيادا و لا مبالاة مثالية . حتى الترتيبات ، عاشتها بكثير تجرد و قليل اهتمام و كبير طاعة و امتثال .
صرف الوالد و بذر كما شاء ، على ليلة زجت بها في سجن رهيب . خبرت و عاشت داخله ما لا تستطيع الكلمات وصفه و لا الجبال حمله . على يد رجل / زوج أثخن جسمها و قلبها و فكرها بألوان العذاب ... لا تذكر يوما واحدا رأف بها و رق لحالها . لم يترك ذرة كرامة بداخلها إلا و أتى عليها .
عاملها بمزيج قسوة و فجاجة و استهتار ... فاستكانت لقدرها اللعين و خضعت لمصيرها المحتوم عساها يوما تتقي شر جلادها .
يتبع ....